كامالا هاريس وميشيغان- غزة قد تحدد مصير الانتخابات الرئاسية

في منتصف شهر أكتوبر، وبالتحديد في السادس عشر منه، وقُبيل الانتخابات الرئاسية بعشرين يومًا، بادر المخرج السينمائي والناقد السياسي البارز مايكل مور بتوجيه رسالة مفتوحة إلى نائبة الرئيس كامالا هاريس. ضمن رسالته، أوضح مور الأسباب التي قد تؤدي إلى خسارة ولاية ميشيغان، وربما الانتخابات الرئاسية بأكملها، إذا لم تتخذ موقفًا علنيًا أمام الشعب الأمريكي يدين المجازر المروعة التي ترتكبها إسرائيل في قطاع غزة. وتضرّع إليها بأن تنأى بنفسها عن سياسات الرئيس جو بايدن، التي وصفها بأنها تنطوي على "إبادة جماعية".
يمتلك مايكل مور معرفة عميقة وخبرة راسخة بولاية ميشيغان، حيث ترعرع ونشأ، واكتسب أولى تجاربه السياسية من خلال مشاركته الفعالة في الحركة العمالية. وبرز لاحقًا كمخرج سينمائي للأفلام الوثائقية، التي انتقد فيها بشدة كبار المستغلين للعمال في تسعينيات القرن الماضي، مثل فيلمه الشهير "الأمر الكبير" الذي واجه فيه رئيس شركة نايكي التنفيذي، فيل نايت.
اقرأ أيضا
list of 2 itemsترامب يوقع أمرا تنفيذيا لإلغاء وزارة التعليم
"مبعوث يسوع".. هل سيُدخل ترامب أميركا عصر الهيمنة المسيحية؟
يتمتع مور بقدرة فائقة على التعبير عن آراء "أهل ميشيغان" وفهم تطلعاتهم. وقد أبلغ كامالا هاريس بأن الحزن العميق الذي يشعر به ما يقرب من 200 ألف إلى 300 ألف أمريكي من أصول عربية أو مسلمة يعيشون في ولاية ميشيغان، إزاء الأعداد الهائلة من الضحايا المدنيين الذين تقتلهم إسرائيل، والذين يشكل الأطفال نصفهم، إلى جانب المجاعة التي تزيد الأوضاع الكارثية في غزة تفاقمًا، هو شعور حقيقي وملموس.
وفي الخامس عشر من أكتوبر/ تشرين الأول، كتب مرتضى حسين مقالًا مؤثرًا يصف فيه الأوضاع المأساوية في غزة، قائلًا: "الجميع يعانون من سوء التغذية، والجميع يعانون من ضعف المناعة". وأكد على الضرورة الملحة لإنهاء هذه المعاناة الإنسانية.
يعيش أبناء الجاليات العربية والإسلامية الكبيرة في الولايات المتحدة تحت وطأة خوف دائم من فقدان أحبائهم في غزة، أو من احتمال تعرض أصدقائهم وعائلاتهم الذين ما زالوا يقيمون في غزة أو الضفة الغربية أو لبنان، للقتل في المجازر الإسرائيلية المتواصلة.
إنهم يعيشون تحت التهديد المستمر لما وصفه بـ "رعب الدولة". وحذر مور قائلًا: "لقد أثر ذلك بعمق على جيراننا هنا في ميشيغان، وسيكون له تأثير كبير في هذه الانتخابات الحاسمة في الخامس من نوفمبر/ تشرين الثاني".
الحركة الوطنية "غير الملتزمة" (بالتصويت على أساس الانتماء الحزبي)، والتي استقطبت أكثر من 100 ألف ناخب في الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي في ميشيغان، رفضت دعم كامالا هاريس، بسبب استمرار دعمها اللامشروط "للأسلحة" التي تقدمها لحملة إسرائيل "المدمرة".
في انتخابات عام 2020، حصدت قائمة بايدن- هاريس حوالي 70% من أصوات الأمريكيين العرب في ولاية ميشيغان. ولكن منذ الغزو الإسرائيلي لغزة قبل عام، شهدت نسبة تأييد العرب في ميشيغان للرئيس جو بايدن، ومن ثم لكامالا هاريس، انخفاضًا حادًا ومثيرًا للقلق. فبعد أن أظهرت استطلاعات الرأي حماسًا بنسبة 70% في السابق، تراجعت هذه النسبة إلى 12% فقط في استطلاع حديث أجري في ولاية ميشيغان.
هؤلاء المؤيدون الديمقراطيون الذين كانوا في يوم من الأيام من الداعمين الأقوياء، قد يمتنعون عن التصويت لصالح قائمة هاريس- والز، علمًا بأن أصواتهم تعتبر حاسمة في تحديد نتيجة الانتخابات. ورغم أنه ليس من المرجح أن يصوتوا لصالح دونالد ترامب، إلا أن الحضور الكثيف في الولايات المتأرجحة أمر ضروري لتحقيق الفوز.
والأخبار السيئة لكامالا هاريس هي أن غالبية الناخبين العرب الأمريكيين في ميشيغان، قد يتخذون قرارًا بالبقاء في منازلهم وعدم المشاركة في التصويت، أو أنهم سيحضرون إلى مراكز الاقتراع، لكنهم سيتركون خانة "الرئيس" فارغة، بينما قد يصوت بعضهم لأحزاب ثالثة.
أعرب العديد من الناخبين الشباب عن أنهم لم يحسموا أمرهم بعد بشأن المرشح الذي سيصوتون لصالحه. إنه قرار صعب ومعقد. ونتيجة لذلك، أصبحت ولاية ميشيغان الآن على المحك، في أفضل الأحوال.
وكما حذرت ميشيل غولدبرغ في شهر فبراير/ شباط الماضي، قبل أن يتنحى بايدن: "إذا خسرنا ميشيغان، فقدنا البيت الأبيض".
ومع ذلك، لا يزال من الممكن استمالة هؤلاء الناخبين من خلال إجراء تغيير طفيف في السياسة. فقد أظهر 67% منهم أن الحرب على غزة تمثل أولوية قصوى بالنسبة لهم، وعند سؤالهم عن الكيفية التي سيؤثر بها موقف كامالا هاريس إذا طالبت بوقف إطلاق النار الإسرائيلي والسماح بوصول المساعدات الإنسانية غير المشروطة إلى غزة، أجاب 54% من الناخبين العرب الأمريكيين بأنهم سيكونون أكثر ميلًا لدعمها.
وعلى الرغم من التراجع الملحوظ في التغطية الإعلامية السائدة لأحداث غزة، فإن المعاناة الإنسانية لا تزال تمثل مسألة رئيسية بالنسبة للكثير من الأمريكيين. ولا شك أن معظم الأمريكيين العرب على دراية بقصة الصحفي الفلسطيني الشاب الذي أُحرق حيًا على يد إسرائيل قبل أيام قليلة من بلوغه العشرين عامًا.
كما أنهم يدركون تمامًا أن الناجين من القصف الإسرائيلي يواجهون كوارث جديدة في كل يوم، من أوبئة وأمراض، وبتر للأطراف، ونقص حاد في المياه والغذاء.
ولا يقتصر الأمر على الناخبين المسلمين العرب وحدهم، فالشباب البالغون أيضًا يشعرون بخيبة أمل كبيرة من حزب يواصل دعمه لجرائم الإبادة التي ترتكبها إسرائيل. إنهم يشعرون بالإحباط الشديد والصدمة؛ بسبب شحنات الأسلحة الأمريكية التي تستمر في التدفق إلى إسرائيل.
وقد نشرت صحيفة "إن ذيز تايمز" تقريرًا مفصلًا ذكرت فيه أن إشارات التحذير تتزايد بالنسبة لحملة كامالا هاريس، وحثتها على الالتفات إلى الناخبين المناهضين للحرب، مما قد يضع قائمة هاريس-والز في المقدمة في هذه الانتخابات المصيرية.
يمكن تجنب هذا السيناريو الكارثي المحتمل. فالحل بسيط وقابل للتنفيذ. ولا يتطلب من كامالا هاريس أن تنتقد الرئيس بايدن بشكل مباشر. فكل ما هو مطلوب منها هو أن تقف إلى جانب الشعب الأمريكي، الذي أعرب في كل استطلاع للرأي عن عدم دعمه لهذه الحرب، ورغبته في وقف فوري لإطلاق النار.
بالطبع، قد تكون هناك فرصة جيدة ألا يفوز ترامب بالبيت الأبيض. فقبل أكثر من أسبوع من الانتخابات، عقد ترامب ما وصفه البعض بأنه معادل لاحتفال نورمبرغ في حديقة "ماديسون سكوير".
وأخيرًا، تجرأت وسائل الإعلام الأمريكية على انتقاد ترامب وحلفائه. فقد وصفت صحيفة "لوس أنجلوس تايمز" تجمع ترامب بأنه "اتسم بالتعليقات العنصرية الحارقة والمثيرة"، وأفادت صحيفة "بوليتيكو" بأن تداعيات "الخطاب العنصري في تجمّع ترامب" كانت تتسع وتنتشر.
ولكن لماذا المخاطرة؟ اختتم مايكل مور رسالته إلى كامالا هاريس متوسلًا: "أرجوك، قفي مع العرب، واليهود، والأمريكيين من أصول أفريقية، والشباب في ديربورن، وفلينت، وديترويت، وقولي إنك ستعملين على إنهاء هذه الحرب المدمرة في غزة فورَ توليكِ الرئاسة. وتعهدي بإيصال جميع أشكال المساعدات الإنسانية فورًا، وأننا سنساهم بفعالية في إعادة بناء المنازل والمستشفيات المدمرة في غزة".
في الواقع، إذا وضعت كامالا هاريس شروطًا واضحة على تسليح إسرائيل، بما يتماشى مع القوانين الدولية والقوانين الأمريكية، فإن هذه الأرقام قد تتحول لصالحها بشكل كبير. وتشير استطلاعات المعهد العربي الأمريكي إلى أن دعم هذه القيود سيجعل 56% من الناخبين العرب الأمريكيين أكثر ميلًا للتصويت لها.
في هذه المرحلة الأخيرة من السباق المصيري الذي قد يحمل عواقب وخيمة وكارثية في حال فوز ترامب بالبيت الأبيض، وإذا كان الديمقراطيون يأخذون التهديد السلطوي الذي يمثله ترامب على محمل الجد، كما يزعمون، فعليهم تغيير مسارهم واتخاذ خطوات جادة للارتقاء بهاريس ووالز نحو المكتب البيضاوي.